تُعد نظرية داو واحدة من أهم النظريات في عالم التحليل الفني، وتركز على فهم حركة الأسعار والاتجاهات في الأسواق المالية.
ومن بين المبادئ الأساسية التي تعتمد عليها النظرية: تأكيد الاتجاهات وحجم التداول. يعتبر هذان المبدآن حجر الزاوية في فهم ديناميكيات السوق وتحديد ما إذا كانت الاتجاهات السعرية ستستمر أو تتغير.
في هذا المقال، سنناقش أهمية تأكيد الاتجاهات بين المؤشرات، ودور حجم التداول في دعم صحة الاتجاه، مع تقديم أمثلة عملية ورسوم بيانية لتوضيح العلاقة بين الحركة السعرية وحجم التداول.
أهمية تأكيد الاتجاهات بين المؤشرات
ما المقصود بتأكيد الاتجاه؟
في إطار نظرية داو، يعتمد تأكيد الاتجاه على التناغم بين المؤشرات المختلفة للسوق. فعندما يُظهر مؤشر واحد إشارة على اتجاه معين (مثل اتجاه صاعد)، يجب أن يُظهر مؤشر آخر مرتبط بالسوق نفس الإشارة، مما يعزز من مصداقية هذا الاتجاه. الفكرة الأساسية هي أن الأسواق مترابطة، وإذا كان الاتجاه حقيقيًا، فإنه سينعكس عبر أكثر من مؤشر.
العلاقة بين مؤشر داو جونز الصناعي ومؤشر داو جونز للنقل
وفقًا لتشارلز داو، لكي يتم تأكيد اتجاه السوق، يجب أن يكون هناك توافق بين مؤشر داو جونز الصناعي (DJIA) ومؤشر داو جونز للنقل (DJT). والسبب وراء ذلك هو أن الأداء القوي في قطاع الصناعة (الذي يُقاس بمؤشر داو الصناعي) يجب أن يُدعمه أداء قوي في قطاع النقل (الذي يُقاس بمؤشر النقل). إذا كانت الشركات الصناعية تُحقق نموًا، فمن المنطقي أن تشهد شركات النقل، التي تنقل السلع والبضائع، أداءً جيدًا أيضًا.
مثال عملي
- الاتجاه الصاعد:
إذا كان مؤشر داو جونز الصناعي يُظهر اتجاهًا صاعدًا (ارتفاع في أسعار أسهم الشركات الصناعية)، فيجب أن يُظهر مؤشر داو جونز للنقل نفس الاتجاه الصاعد. هذا يؤكد أن الاقتصاد ينمو فعليًا، وأن الطلب على النقل والخدمات اللوجستية يتزايد لدعم نمو الصناعة. - الاتجاه الهابط:
إذا كان مؤشر داو جونز الصناعي يُظهر انخفاضًا، بينما يُظهر مؤشر داو جونز للنقل ارتفاعًا، فقد يكون هناك تضارب في الإشارات، مما يُثير تساؤلات حول صحة الاتجاه.
أهمية تأكيد الاتجاه
- تقليل الإشارات الخاطئة: عندما تتفق المؤشرات المختلفة، تقل احتمالية أن يكون الاتجاه مبنيًا على حركة عشوائية.
- زيادة الثقة في الاتجاه: توافق المؤشرات يعزز الثقة لدى المستثمرين في صحة الاتجاه.
- اتخاذ قرارات أفضل: يساعد التأكيد في تحديد الأوقات المناسبة للدخول أو الخروج من السوق.
دور حجم التداول في دعم صحة الاتجاه
العلاقة بين حجم التداول والاتجاه
حجم التداول (Volume) هو عدد الأسهم أو العقود التي يتم تداولها خلال فترة معينة. يعتبر حجم التداول مؤشرًا أساسيًا يدعم صحة الاتجاه في السوق، حيث يعكس قوة وزخم التحركات السعرية.
- إذا كان الاتجاه الصاعد أو الهابط مدعومًا بزيادة كبيرة في حجم التداول، فإن ذلك يشير إلى أن الاتجاه قوي ويُحتمل أن يستمر.
- على العكس، إذا كان الاتجاه مدعومًا بحجم تداول منخفض، فقد يكون الاتجاه ضعيفًا أو غير مستدام.
المبادئ الرئيسية لدور حجم التداول
- زيادة حجم التداول مع الاتجاه السائد:
عندما يتحرك السوق في اتجاه معين (صعودًا أو هبوطًا)، يجب أن يزداد حجم التداول لدعم هذا الاتجاه. إذا ارتفعت الأسعار مع زيادة في حجم التداول، فهذا يشير إلى زخم قوي. - انخفاض حجم التداول في التصحيحات:
أثناء الاتجاه الصاعد، قد تحدث تصحيحات قصيرة الأجل تنخفض فيها الأسعار، وعادة ما يصاحب ذلك انخفاض في حجم التداول. يشير هذا إلى أن التصحيح مؤقت، وأن الاتجاه الرئيسي سيستمر. - تغير حجم التداول في نقاط الانعكاس:
عند نقاط الانعكاس الرئيسية (مثل التحول من اتجاه صاعد إلى هابط)، يُلاحظ عادةً زيادة كبيرة في حجم التداول نتيجة دخول المستثمرين الجدد وخروج الآخرين.
أمثلة عملية توضح العلاقة بين حجم التداول والحركة السعرية
المثال الأول: الاتجاه الصاعد مع حجم تداول قوي
مثال على مؤشر داو جونز الصناعي (DJIA) حيث ارتفعت الأسعار يوميًا مع زيادة واضحة في حجم التداول، يمكننا النظر إلى الفترة من مارس 2009 إلى أبريل 2010. خلال هذه الفترة، شهد المؤشر اتجاهًا صاعدًا قويًا بعد الأزمة المالية العالمية في 2008.
تفاصيل المثال:
- بداية الانتعاش: في مارس 2009، وصل مؤشر داو جونز إلى أدنى مستوياته بالقرب من 6,500 نقطة. من ذلك الحين، بدأ المؤشر في اتجاه صاعد مستمر.
- زيادة حجم التداول: مع ارتفاع الأسعار، كان هناك زيادة ملحوظة في حجم التداول، مما يشير إلى دخول مستثمرين جدد وتعزيز الثقة في السوق.
- استمرار الاتجاه الصاعد: بحلول أبريل 2010، تجاوز المؤشر حاجز 11,000 نقطة، مما يمثل زيادة تقارب 70% خلال هذه الفترة.
المثال الثاني: الاتجاه الهابط مع زيادة حجم التداول
الفترة الزمنية: فبراير 2020 - مارس 2020 (أزمة كوفيد-19)
- خلال هذه الفترة، شهد مؤشر داو جونز الصناعي (DJIA) انخفاضًا حادًا مع زيادة ملحوظة في حجم التداول، مما يعكس سيطرة البائعين على السوق.
تفاصيل المثال:
- الحدث المحفز:
- انتشار فيروس كوفيد-19 عالميًا وظهور حالة من الذعر في الأسواق.
- تخوف المستثمرين من الإغلاق الاقتصادي وتأثيراته على الشركات الكبرى.
- الهبوط الحاد:
- المؤشر انخفض من مستوى 29,500 نقطة في منتصف فبراير 2020 إلى حوالي 18,500 نقطة بحلول أواخر مارس 2020.
- هذا الانخفاض يمثل خسارة تقارب 37% خلال شهر واحد فقط.
- زيادة حجم التداول:
- أثناء هذا الانخفاض، شهد السوق زيادة كبيرة في حجم التداول، مما يشير إلى:
- تدافع المستثمرين للتخلص من الأسهم.
- سيطرة البائعين على السوق بشكل قوي.
- استمرار الاتجاه الهابط:
- كان حجم التداول المرتفع مع الانخفاض المستمر للأسعار دليلًا قويًا على استدامة الاتجاه الهابط.
المثال الثالث: التصحيحات المؤقتة
الفترة الزمنية: نوفمبر 2020 - مارس 2021
- خلال هذه الفترة، كان مؤشر داو جونز الصناعي (DJIA) في اتجاه صاعد قوي بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية وبدء توزيع لقاحات كوفيد-19.
- ومع ذلك، شهد السوق تصحيحات مؤقتة وسط هذا الاتجاه الصاعد.
تفاصيل المثال:
- الحدث المحفز:
- السوق كان يتأثر بمخاوف قصيرة الأجل مثل:
- تقلبات أسعار الفائدة.
- مخاوف بشأن التضخم.
- عمليات جني أرباح من قبل المستثمرين.
- التصحيح المؤقت:
- في أواخر يناير 2021، انخفض مؤشر داو جونز من حوالي 31,200 نقطة إلى 29,900 نقطة (تصحيح نسبته 4% تقريبًا).
- هذا الانخفاض كان مصحوبًا بانخفاض حجم التداول مقارنة بالأيام السابقة.
- العودة إلى الاتجاه الصاعد:
- سرعان ما استعاد المؤشر زخمه، مدفوعًا بالثقة المستمرة في تعافي الاقتصاد.
- بحلول مارس 2021، ارتفع المؤشر إلى مستويات قياسية جديدة تجاوزت 32,000 نقطة.
- الدلالة:
- الانخفاض المؤقت مع حجم تداول ضعيف يشير إلى أن التصحيح كان نتيجة لعمليات بيع محدودة ولم يكن مدعومًا بخروج واسع النطاق من السوق.
- الاتجاه الصاعد بقي قويًا بسبب عودة المشترين بمجرد انتهاء التصحيح.
الجمع بين تأكيد الاتجاه وحجم التداول
لماذا يجب الجمع بينهما؟
- تأكيد الاتجاه وحده لا يكفي: قد يكون هناك توافق بين مؤشرات السوق المختلفة، لكن دون وجود زيادة في حجم التداول لدعم الاتجاه، قد يكون هذا التوافق مؤقتًا أو غير قوي.
- حجم التداول يوفر زخمًا إضافيًا: وجود حجم تداول مرتفع مع اتجاه مؤكد يجعل القرار الاستثماري أكثر مصداقية.
خلاصة
تلعب تأكيد الاتجاهات وحجم التداول دورًا حيويًا في التحليل الفني للأسواق المالية. توافق المؤشرات المختلفة مثل مؤشر داو جونز الصناعي ومؤشر داو للنقل يعزز من صحة الاتجاهات ويوفر رؤية شاملة لحالة السوق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حجم التداول يُعتبر مؤشرًا قويًا على قوة الاتجاه، سواء كان صاعدًا أو هابطًا. عندما يتم الجمع بين هذين المبدأين، يمكن للمستثمرين تحقيق فهم أعمق لحركة السوق واتخاذ قرارات استثمارية أكثر ذكاءً.